السحر آفة تهدد مجتمعنا
مقدمة :
إن هذه الندوة تسلط الضوء على
ظاهرة السحر والشعوذة التي ذاعت وشاعت في مجتمعنا بشكل لافت حين انتشر الجهل وضعف الوازع الايماني واختل ميزان الاعتقاد فاختلطت الحقائق بالأوهام والخزعبلات ، إن هذا النوع من السحر المؤذي ما زال يمارس في كثير من بلدان العالم اليوم وهو لا يقل خطراً عن جرائم القتل والسرقة والاغتصاب وغيرها من صنوف الإيذاء للخلق ، وفي كل يوم نسمع قصة هنا وهناك عن أناس يعانون من شر أعمال السحرة وبفعل أهل الحسد والغيرة الذين توجوا أعمالهم الشريرة بالذهاب الى السحرة والعمل على تدمير الأفراد والأسر ، وهم لا يعلمون أنه منكر وكفر ، كما جاء في الآية على لسان الملكين هاروت وماروت :" وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " هذا فيما يتعلق بالساحر أما الذي يذهب الى السحرة للاستعانة بسحره على الغير يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من أتى ساحرا أو عرافا فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)) رواه أحمد، وقال : ((من أتى كاهنا أو عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوما)) .
إنهم أناس عششت الخرافات في رؤوسهم وامتلأت بالخزعبلات صدورهم، تعلقت قلوبهم بالسحر والكهانة، ارتبطت مصائرهم بالكواكب ، وبالتنجيم والعرافة : ضربٌ بالكف والرمل، ونظرٌ في الوَدَع والخرز، وفتح للمندل .
وإليكم نموذج من مأساة حصلت بسبب سحر قامت به امرأة لاسترجاع زوجها بعد ان طلقها في رأس الخيمة ووصل الأمر لحد تدهور صحة الزوج وادعهائه عليها في المحكمة
وبعد سبعة شهور من الجلسات والمداولات في قضية هي الأغرب من نوعها ، لصعوبة ثبوت الأدلة في الإيذاء كما يصرح المحامي ابراهيم حسن الملّا في القضية فيقول :" لعلها المرة الأولى التي أتولى فيها قضية سحر وشعوذة بين الزوجين أدّت الى الإيذاء الجسدي والنفسي ، ولكن اعتراف المطلقة المدَّعى عليها أمام النيابة والشرطة بأنها مارست أعمال السحر والكتابة هو الذي سهل قضية الادعاء عليها ، فقضت
المحكمة بحبس المتهمة " الساحرة لزوجها " أربعة شهور تعزيراً لها ، أما الزوج فبقي يطالب المعنيين أن يتم فك السحر عنه .( نشرته زهرة الخليج عدد 30 ) 8 نيسان 2000
و جريدة الرايه القطريه // ليوم الثلاثاء // تاريخ 4/ 4 /2000
وكثيراً ممن يؤمنون بالسحرة هم من الطبقة الغنية والمثقفة ، وهو الأكثر رواجاً بين أهل الفن ، بحيث أصبح السحرة والعرافين يتقاضون أجرا باهظا على عمليات النصب والاحتيال بحجة فك السحر وجلب الغائب الى آخره
فقد ورد في مصر في بحث استطلاعي فريد من نوعه حول ظاهرة الطب الروحاني أن في مصر ، بمحافظاتها الست وعشرون ، نحو ثلاثون ألف دجال يمارسون أعمال السحر والشعوذة وتحوّلوا من جهلة أميين الى أصحاب ملايين جنوها من ضحاياهم .
وحدّد الباحث الذي يدعى الدكتور- محمد عبد العظيم - ويحمل لقب باحث في شؤون " الطب الروحاني " حجم تجارة الشعوذة بنحو عشرة مليارات جنيه ، متضمنة ما يطلبه الدجالون من المرضى من مستحضرات محلية وأحيانا مستوردة من الهند وباكستان ، وهذا رقم يزيد عن نصف حجم الاقتصاد السري في مصر والذي تقدره المصادر الاقتصادية بنحو 16 مليار جنيه . طعنة بنفس السكّين
- قصة مؤثرة حصلت في أعماق الريف المصري ، شغلت مصر بأسرها في منتصف الثمانينات واهتمت بها الصحف وأصبحت مادة صحفية تتناولها صحافة مصر بأثرها . وهي حادثة الزوجة التي ظلّت بكراً تسعة عشر عاما . تبدأ القصة في إحدى قرى – الدلتا - عندما فشل عامل النسيج أن يمارس حقوقه الزوجية طوال تسعة عشر عاما بسبب ما كان يعتريه من إغماء وتصبب عرق عندما كان يقترب من زوجته ، وهو ما يسمى بمفهوم السحر ( الربط )
-واللافت في القصة أن الزوجة وهي ابنة عمه عاشت معه كل تلك السنوات لأنها تعتبره حبها الأول والأخير ، وفي أحد الأيام انكشف اللغز ، وذلك عندما قال له أحد أصدقائه الذي يعمل معه في المصنع أنه يعلم بحالته تلك .
فتعجب الزوج وألحّ عليه بأن يخبره من أين عرف ذلك السرّ ، فأخبره بأنه هو الذي سبب له هذا السحر عندما قام بربطه على يد أحد السحرة ، والسبب في ذلك أنه كان يريد أن يخطب زوجته إلا أنها رفضته وفضّلت عليه صديقه وابن عمها فاشتعلت نيران الغيظ والحقد والحسد في قلبه فقام بربطه عن زوجته ، وعندما استحلفه أن يفك السحر وبأي ثمن ، استجاب لطلبه .. وبالفعل نبش بجوار أحد السواقي المهجورة مستخرجاً سكيناً ( قرن الغزال) مقفولة وقام بفتحها وفك الربط ، ونجح في أن يمارس معها حقوقه الزوجية بعد تسعة عشر عاماً ، ماذا فعل بعد ذلك ؟ ! رجع إلى صديقه وأسكن السكينة نفسها في قلبه بطعنة واحدة فقتل في الحال . وعندما أحيل إلى النيابة اكتشف الطب الشرعي أن زوجة القاتل بالفعل لم تنفض بكارتها إلا منذ أيام قليلة ، فقررت المحكمة على أثرها تخفيف الحكم إلى السجن مدة خمس سنوات مراعاة لظروف ما حدث له . نشر في مجلة الأميرة ( العدد الخامس أيلول ـ ت1 /2000م )
هذه نماذج يسيرة استعرضناها من مئات القصص التي تحصل كل يوم في هذا العالم ، وكما راينا فإن السحر له حقيقة ، فمنه ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه من وطئها ، ومنه ما يفرّق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما الى الآخر ، ورأينا بعضاً من الناس الذين تعرضوا للسحر الذي يتعلّق بالمرض قد أدى إلى حتفهم ،
· السحر في أوروبا قديما ودور اليهود في نشره
أول من نشر السحر في أوروبا هم اليهود ، فالدارس لتاريخ اليهود يعلم أن اليهود قد انحرف بهم المسار ، بعد أن تركوا شريعتهم ونبذوا كتاب الله وراء ظورهم وتعلقوا بالسحر في كل أشكاله ومارسوه في كل شؤون حياتهم يدلُّك على ذلك قول الله تعالى :" وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر َ...
ولم يبق السحر في تلك البلاد يعتمد على الأفراد ، بل أنشأ اليهود جمعية عرفت باسم ( القبلانية )
وفي القرن الرابع عشر انتشرت –القبلانية- في أوروبا ابتداء من ألمانيا ونزولا الى فرنسا وإيطاليا حيث أنشأت هذه الفئة من اليهود مدرسة قبلانية سنة 1533 كانت أول مدرسة للسحر الأسود إلى أن أغلقت سنة 1572م وتطورت هذه الظاهرة فأنشئت جمعيات عدديدة مارست السحر الأسود ، الذي أذاق ملوك ورؤساء بلدان أوروبا الويلات .. وقد انتهى الأمر بمعظم السحرة في ذلك الوقت الى الإعدام أو الحرق والصلب .
· ما هو صدى السحر في أوروبا وغيرها من البلدان اليوم ؟
. " ففي فرنسا أظهر تحقيق أجرته وزارة الصناعة والبحث الفرنسية عام 1982 تقدير مدى عقلانية المواطنين الفرنسيين أن 18% من هؤلاء يؤمنون بالسحر ، أما نائبة رئيس الاتحاد العالمي للروحانيين والفلكيين في باريس كريستين داجواي فتقول : أن نسبة الذين يلجأون إليها ولزملائها حوالي 75% من الشعب الفرنسي ،
ويقدر عدد السحرة والمشعوذين في فرنسا بحوالي ثلاثين ألفاً ، والأغرب من كل شيء هو أن معظم هؤلاء السحرة والوسطاء الروحيين يعملون ويمارسون نشاطهم بشكل علني أو شبه علني . ويتجاوز مجموع مبيعاتهم السنوية الثلاثة مليارات فرنك فرنسي -هذا فقط في فرنسا-أما اتحاد الفلكيين العالميين فإن مردوده السنوي حوالي 50 مليار دولار-
واتخذ كثير من الملوك فيما مضى لهم سحرة يديرون معهم شؤون دولتهم ، ويستحوذون بهم على قلوب رعيتهم ، ويدلّ على ذلك قصة أصحاب الأخدود التي وردت في القرءان الكريم في سورة البروج ، حيث قام ذلك الغلام المؤمن بإبطال مزاعم ساحر الملك ، وأكرمه الله بالكرامات التي أعجزت عقول الناس فآمنوا جميعاً ، كما جاء في قوله تعالى : "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1)وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ(2)وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ(3)قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ(4)النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ(5)إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6)وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7)وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(9)
رأي الشريعة الإسلامية في السحر :
تعريف السحر من حيث اللغة : يطلق السحر في لغة العرب على كل شيء خفي سببه ولطف ودقّ ، كما يوصف البيان بالسحر ومنه قول الرسول :" إن من البيان لسحرا " وذلك لأنه يروق للسامعين ويستميل قلوبهم ويغلب على نفوسهم ·
Ø تعريف السحر في اصطلاح العلماء :
عرف ابن قدامة السحر بقوله :" هو عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتبه ، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له ، وله حقيقة ، فمنه ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه من وطئها ، ومنه ما يفرّق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما الى الآخر ، أو يحبب بين اثنين "· المغني /ابن قدامة جـ10 - 104
وقال القرافي في فروقه :" السحر له حقيقة ، وقد يموت المسحور أو يتغير طبعه وعاداته ، وإن لم يباشره ، وقال به الشافعي وابن حنبل ، وقالت الحنفية إن وصل إلى بدنه كالدخان ونحوه جاز أن يؤثر وإلا فلا؟ " 4/149 ؛ وقال الشيرازي من الشافعية :" وللسحر حقيقة ، وله تأثير في إيلام الجسم وإتلافه "
ويقول ابن القيم في إثبات ضرر السحر على المسحور :" والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وعقلا وحبا وبغضا ونزيفاً موجود ، تعرفه عامة الناس ، وكثير من الناس عرفه ذوقاً بما أصيب به منهم "
وواضح من هذه النقول أن عامة أهل السنة والجماعة يذهبون إلى القول بأن للسحر حقيقة ، أما الذين خالفوا فئة قليلة منهم أبو بكر الرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري·